الجمعة، 18 سبتمبر 2015

يعتبر الفصل الثالث من أهم الفصول

الفصل الثالث
بناء سلالم العقل
التكامل بين المخ الأعلى والأسفل
يمكننا التحدث عن المخ بطرق كثيرة. ركزنا في الفصل الثاني على الفصين الأيمن والأيسر. ولكننا الآن ننظر من الأعلى إلى الأسفل أو واقعيًا من الأسفل إلى الأعلى.
  
تخيل أن عقلك عبارة عن منزل يتكون من طابقين. يتكون الطابق السفلي من المخ من جذع المخ والمنطقة الطرفية. يقول العلماء أن المناطق السفلية تكون بدائية أكثر لأنها مسؤولة عن الوظائف الأساسية (مثل التنفس والومض) وعن الاستجابات والمحفزات الغريزية (مثل المواجهة والهروب) وعن المشاعر القوية (مثل الغضب والخوف). ويشبه الطابق الأول من المنزل، حيث يتم تلبية العديد من الاحتياجات الأساسية للأسرة، حيث يتواجد المطبخ وغرفة الطعام وما إلى ذلك. يتم الاعتناء بالضروريات الأساسية في الطابق السفلي.
يختلف المخ العلوي تمامًا. حيث يتكون من القشرة المخية وأجزائها المختلفة. والطابق العلوي متطور أكثر ويمكنه أن يمنحك وجهة نظر أو صورة كاملة عن عالمك. يمكنك تخيله كمكتبة في الطابق الثاني بها العديد من النوافذ وفتحات السقف التي تسمح لك برؤية الأشياء بوضوح أكثر. وتحدث به العمليات العقلية الأكثر تعقيدًا مثل التفكير والتخيل والتخطيط. يعتبر المخ السفلي بدائي بينما يكون المخ العلوي أكثر تطورًا ويتحكم في تفكيرك الهام والتحليلي. وهو مسؤول عن اظهار بعض الخصائص التي نتمنى أن نراها في أطفالنا وذلك بحكم كونه أكثر تطورًا واكتمالًا، على سبيل المثال:
  •  اتخاذ القرارات الصحيحة والحكيمة والتخطيط
  •  التحكم في المشاعر والجسد
  •  فهم الذات
  •  التعاطف
  •  الأخلاقيات

يظهر الطفل الذي يعمل عقله العلوي بشكل صحيح بعض أهم الخصائص الهامة للشخص البالغ والانسان السوي. وبالطبع لا يعني هذا أنه سوف يكون طفل خارق أو لن يقوم بتصرفات طفولية. ولكن عندما يعمل المخ العلوي للطفل بشكل سليم، يمكنه تنظيم مشاعره والتفكير في عواقب الأموروالتفكير قبل الفعل والاهتمام بما يشعر به الآخرين وهذا يساعده على النجاح في التعامل في مناحي الحياة المختلفة ويساعد عائلته على التعامل مع الصعوبات اليومية.
وكما تتوقعون، يعمل عقل الانسان بأفضل حال عند تكامل المخ العلوي والسفلي. ولهذا يكون دور الآباء هو مساعدة أطفالهم بناء وتعزيز السلالم التخيلية التي تربط بين المخ العلوي والسفلي للطفل حيث يعمل الطابقين كفريق واحد.
عندما يحدث هذا التكامل الرأسي، يمكن للمخ العلوي مراقبة أفعال المخ السفلي ومساعدته في تهدئة الاستجابات والمحفزات والمشاعر القوية التي تنشئ به (المخ السفلي). ويحدث التكامل الرأسي أيضًا في الاتجاه الثاني، بين المخ السفلي والجسم. ولكننا في النهاية، لا نريد أن تحدث القرارات الهامة في المخ العلوي بعيدًا عن المدخلات التي تنبع من مشاعرنا وغرائزنا وأجسادنا. ولكن ما نريده بدلًا من ذلك، هو مراعاة مشاعرنا العاطفية والجسدية (التي تنبع من المخ السفلي) وأخذها في الاعتبار، قبل ان نقرر ما نفعله من أفعال.
مرة أخرى، يسمح هذا التكامل بالحركة الحرة بين الأجزاء العلوية والسفلية لعقولنا. ويساعد على بناء السلالم بحيث تتناغم أجزاء المخ المختلفة وتعمل معًا ككل.

 الدور العلوي غير المكتمل: تحديد توقعات مناسبة لأطفالك

بالرغم من رغبتنا في بناء تلك السلالم التخيلية في عقول أطفالنا، هناك سببين رئيسيين لجعل توقعاتنا واقعية فيما يتعلق بالتكامل.
يتعلق السبب الأول بالتطور والنمو، فبينما يكون المخ السفلي متطور جيدًا حتى بداية من الولادة، لا يكون المخ العلوي ناضجًا بشكل كامل إلا عندما يبلغ الشخص أواسط العشرينيات من عمره (25 سنة). حيث أنه في الحقيقة أحد آخر الأجزاء تطورًا في المخ. يستمر المخ العلوي تحت الانشاء بشكل ضخم في السنوات القليلة الأولى من العمر، ثم يخضع لإعادة بناء وتعديل شديدة أثناء سنوات المراهقة ويستمر ذلك حتى سن الرشد.
يمكنك ببساطة تخيل الدور السفلي لأي منزل وهو مكتمل ومفروش بالكامل ولكن عندما تنظر إلى الدور الثاني، تجد أدوات البناء وأعمال البناء غير المكتملة. هذا هو مخ طفلك، تحت الانشاء.
تعتبر هذه المعلومات هامة جدًا للأباء، حيث يعني هذا أن كل القدرات التي تم ذكرها أعلاه (اتخاذ القرارات الصحيحة والحكيمة والتخطيط والتحكم في المشاعر والجسد وفهم الذات
والتعاطف والأخلاقيات) تعتمد على جزء لم يكتمل بشكل كامل بعد في مخ الأطفال.وحيث أن الدور العلوي للمخ مازال تحت الانشاء، فهو غير قادر على العمل بشكل كامل طوال الوقت، ويعني هذا أنه لا يستطيع التكامل مع المخ السفلي والعمل معه بشكل متناسق. لهذا يميل الأطفال إلى استخدام المخ السفلي بدون المخ العلوي ولهذا يظهر منهم عدم التعاطف وعدم فهم أنفسهم وقرارات خاطئة.
هذا هو أول سبب في عدم مقدرة الأطفال على استخدام المخ العلوي والسفلي معًا، فالمخ العلوي مازال قيد الانشاء والتطور.
أما السبب الثاني فيتعلق بأحد أجزاء المخ السفلي يسمى اللوزة الدماغية ((amygdala.



البوابة الصغيرة للمخ
وظيفة اللوزة الدماغية هي المعالجة والتعبير عن المشاعر بسرعة خاصة مشاعر الغضب والخوف. تعتبر تلك الكتلة الصغيرة حارس المخ، وتكون دائمًا في حالة انتباه للأوقات التي تمثل لنا تهديد. وعند احساسها بالخطر، تستولى على أو تختطف المخ العلوي. وهذا ما يجعلنا نقوم بأفعال قبل أن نفكر. فهي الجزء من المخ الذي يشجعك على الصراخ "توقف"، عندما حدث مع محمد عندما كان يتمشى مع طفله قبل أن يعي بعقله الواعي ان هناك ثعبان على الطريق.
بالطبع هناك أوقات يكون فيها القيام بأفعال قبل التفكير شئ جيد وهام. ففي المثال السابق، كان آخر ما يريده محمد هو أن يتولى مخه العقلي الموقف ويفكر في قرارات عالية أو تحليل المزايا والعيوب، يا الله، هناك ثعبان أمام طفلي. الآن هو الوقت المناسب لتحذيره. ياليتني قمت بتحذيره قبل ثانيتين بدلًا من الانتظار لتحذيره. ولكنه في هذه الحالة يحتاج إلى مخ السفلي، اللوزة الدماغية، لتولي الأمر وفعل ما حدث بالظبط: جعلته يصرخ حتى قبل أن يدرك بشكل واعي ما يفعله.
فالقيام بفعل قبل التفكير يكون شيئًا جيدًا عندما نكون في موقف مثل محمد أو عندما نكون في خطر مماثل.
ولكن التعامل والقيام بأفعال قبل التفكير لا يكون جيد دائمًا في المواقف اليومية العادية. وتضعنا اللوزة الدماغية في مشاكل حيث أنها تسيطر على المخ العلوي وتتولى مهامه. ونحن نريد أن نفكر قبل القيام بفعل عندما لا نكون في حالات خطر.
نريد أن يقوم أطفالنا بالمثل. ولكن المشكلة أن اللوزة الدماغية، خاصة عند الأطفال، كثيرًا ما تشتعل وتغلق السلالم التي تربط المخ العلوي بالسفلي. وهذا بالإضافة إلى المشكلة التي تحدثنا عنها في الجزء السابق، فالمخ العلوي للطفل تحت الانشاء وحتى الجزء الصغير الذي يعمل به يتم حجبه وغلقه أثناء لحظات العواطف الشديدة أو الضغط.
فعندما ينفجر طفلك ذو الثلاث أعوام غاضبًا لأنه لم يجد المصاصات البرتقالية في الثلاجة، يقفز مخه السفلي بما في ذلك
جذع المخ واللوزة الدماغية للسيطرة. ويتسبب هذا في عدم قدرته على التعامل بمنطقية وبهدوء. ولهذا فمهما قلت لطفلك عن وجود المصاصات الحمراء (التي قد كانت تعجبه أكثر من البرتقالية آخر مرة) فهو لن يسمعك في هذه اللحظة. وقد يبدأ في القاء الاشياء والصراخ في أي شخص قريب.
إذا وجدت نفسك في هذا الموقف، فأفضل طريقة لتسهل عليه الأمر أثناء تلك الأزمة (وهي بالفعل أزمة حقيقية في مخه)
هو تهدئته ومساعدته على الانتباه لشئ آخر. يمكنك حمله واظهار شئ في غرفة آخرى أو القيام بأمر مضحك لتغيير مجرى الموقف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق