الجمعة، 18 سبتمبر 2015

الفصل الثاني



 الفصل الثاني:
عقلين أفضل من عقل واحد
التكامل بين الأيسر والأيمن

يعتبر الجزء الأيسر من المخ هو المسؤول عن الترتيب والمنطق واللغويات والكلمات والألفاظ والترتيب المنطقي والقوائم. أما الجزء الأيمن فهو المسؤول عن النظرة الشمولية والعلامات غير اللفظية والمشاعر وتعبيرات الوجه والإيماءات والخيال ويعتني بالصورة الكاملة أو الكبيرة وليس التفاصيل ويتأثر بالجزء الأسفل من المخ والذي يسمح له باستقبال وتفسير المعلومات العاطفية أو المشاعر. بمعنى آخر، يركز الأيسر على النّص ويركز الأيمن على السياق.
مما سبق يتضح لنا بالطبع أن ما يسيطر عند الأطفال خاصة في الثلاث سنوات الأولى هو الجزء الأيمن، وبعد ذلك خاصة عندما يبدئ الطفل مرحلة السؤال المتكرر "لماذا؟" يبدأ الجزء الأيسر في الظهور ولكن يستمر الأيمن في السيطرة.

يمكنكم البحث عن صورة توضيحية لفصي المخ.

التكامل بين الأيمن والأيسر:
يجب أن يعمل الجزء الأيسر والأيمن معًا حتى نتمكن من العيش في حياة متوازنة لها غاية ومعنى ومبتكرة ومليئة بالعلاقات القوية.
لهذا يجب علينا أن نساعد أطفالنا في حدوث هذا التكامل الإفقي بين الفصين الأيمن والأيسر، حيث يؤدي عدم حدوث هذا لمشاكل كبيرة.
ويشبّه المؤلف استخدام جزء واحد فقط من المخ كمن يعوم بذراع واحد، قد يستطيع أن يعوم بذراع واحد ولكنه سيكون أكثر اتزانًا ونجاحًا في حالة استخدام ذراعيه الاثنين.
يمكنك أن تتخيل ما قد يحدث لو سيطرت المشاعر فقط وقادت حياتنا (الفص الأيمن).
فالأفضل لنا أن نتجنب الحياة في فيضان من المشاعر أو في صحراء خالية من المشاعر.

ماذا نفعل:

يجب علينا أن نساعد أطفالنا على العمل بالفصين الأيمن والأيسر معًا.
الإستراتيجية 1:
التواصل ثم إعادة التوجيه (connect and redirect)

ذات ليلة نهض إبن تينا ذو 7 أعوام من النوم وقال لأمه أنه لا يستطيع النوم، وكان يبدو عليه الغضب  وقال "أنا غضبان لأن عيد مولدي بعد 10 شهور وأنا أكره الواجب".
في هذه القصة يبدو كلام ابن تينا غير منطقي ولكنه يشعر به حقًا وهنا يسيطر عليه الفص الأيمن.
في تلك اللحظات التي يعاني أبناؤنا من فيضان من المشاعر التي تسيطر عليهم ولا يستطيعون استخدام المنطق والتحليل المسؤول عنه الفص الأيسر، علينا ان نساعدهم نحن على ذلك.
يجب علينا في هذه المواقف الاستجابة لهم بالفص الأيمن أيضًا.
فحين يكون الطفل في حالة غضب لن يجدي أبدًا التعامل بالمنطق، يجب علينا أولًا الاستجابة للحاجات العاطفية للفص الأيمن.
يبدأ التواصل ثم إعادة التوجيه عندما نساعد أطفالنا في الشعور بأننا نشعر بهم وبتقدير وإقرار مشاعرهم قبل محاولة حل المشاكل أو معالجة الموقف بشكل منطقي.

كيف يحدث هذا؟
الخطوة الأولى: التواصل مع الأيمن
-      لن يصبح المنطق هو سبيلنا في تلك الخطوة، لأنه لن يجدي.
-      يجب علينا تذكر أنه مهما كانت مشاعر أطفالنا تبدو لنا محبطة وغير منطقية، فهي مشاعر حقيقية وهامة بالنسبة لهم، ويجب علينا التعامل وفق هذا.
-      يجب علينا إقرار المشاعر
-      يجب استخدام العلامات والإيماءات غير اللفظية مثل اللمس وعلامات التعاطف ونبرة الصوت والاستماع دون إصدار أحكام.
-      فباستخدامنا الفص الأيمن للاستجابة للفص الأيمن عند أطفالنا يساعد العقل على التوازن والوصول إلى مرحلة أكثر تكاملا.

بعد ذلك يمكننا جذب الأيسر لمعالجة الأمور.

الخطوة الثانية: إعادة التوجيه مع الأيسر
-      بعد تواصلنا الأيمن بالأيمن، يصبح التواصل بين الأيسر والأيسر أكثر سهولة وبدأ التعامل مع المشكلة أو الأمر بشكل منطقي.
-      تساعد تلك الطريقة الطفل على استخدام فصين المخ بطريقة متكاملة ومنظمة.
لن تكون طريقة "التواصل وإعادة التوجيه" هي الحل دائمًا.
فهناك أوقات يكون الطفل بها قد مر بنقطة اللّاعودة وتجتاحه عاصفة المشاعر ويجب أن ترتطم تلك الأمواج حتى تهدأ العاصفة. أو أنه ببساطة يحتاج إلى الطعام أو النوم.
يمكنك الانتظار حتى يهدأ الطفل ويستطيع التكامل مع الفص الأيسر.
ونحن لا ننصحك أيضًا في تلك الحالات أن تتنازل عن القواعد والحدود لأن الطفل لا يفكر بشكل منطقي. فيجب عليك حتى في تلك اللحظات التمسك بهدوء بالقواعد والحدود التي تتبعها عائلتك وأحيانًا يجب عليك إبعاد الطفل عن المشهد (وتكون معه وليس جعله يجلس في مكان بمفرده) في حالة التدمير أو إيذاء الآخرين حتى تهدأ العاصفة قبل أن تبدأ في "التواصل وإعادة التوجيه".
يمكنك بعد هدوء طفلك تمامًا مناقشة السلوكيات غير المقبولة والعواقب. لأنه لن يتعلم شيئًا في ظل هذه العاصفة العاطفية وسيطرة الفص الأيمن ولذلك علينا الانتظار حتى يهدأ ويبدأ التكامل مع الفص الأيسر. ومثال على ذلك: تخيل أنك تحمي طفلك من الغرق وتحمله إلى الشاطئ قبل أن تقول له أن لا يعوم في مكان بعيد المرة القادمة.
 الإستراتيجية الثانية 
سمها باسمها (Name it to tame it)
سرد القصص لتهدئة المشاعر الكبيرة
قد تغلب على الطفل مشاعره ويطغي الجانب الأيمن من المخ، عندما يعاني الطفل من لحظات مؤلمة أو محبطة أو مخيفة، مثلا وقع الطفل وجرح ركبته أو فقد أحد ألعابه. وهنا يأتي دورنا كآباء أن نساعد الطفل في استدعاء الجانب الأيسر حتى يبدأ الطفل في فهم ماحدث له. ويعتبر سرد قصص التجارب المخيفة أو المؤلمة، أحد أفضل الطرق لتعزيز هذا النوع من التكامل.
ولكن لماذا تكون إعادة سرد ماحدث مؤثرة لهذه الدرجة؟
تساعد إعادة سرد ما حدث في استدعاء الفص الأيمن والأيسر معًا بحيث يستطيع الطفل إدراك ما حدث له عن طريق وضع التفاصيل بترتيب وتحويل التجربة إلى كلمات ثم استدعاء الفص الأيمن مرة أخرى عن طريق استعادة المشاعر.
ولكن يجب علينا احترام رغبة اطفالنا في كيفية وتوقيت التحدث وسرد ما حدث، عندما لا يرغبون في الكلام.
ويمكننا تشجعيهم على السرد بلطف، وذلك بأن نبدأ نحن بسرد القصة ونطلب منهم تكملة التفاصيل، ولكن ان لم يرغبوا في الكلام، علينا ترك مساحة لهم والتحدث في وقت آخر.
عادة يكون الطفل أكثر استجابة، إن اخترت الوقت المناسب للبدأ في مثل هذه المحادثة، فيجب أن يكون كلاكما في حالة هدوء وقد يتشجع الطفل على التحدث أثناء انشغاله في أمر آخر مثل بناء المكعبات أو ما إلى ذلك، يمكنك أيضًا تشجيعه على رسم صورة تعبر عن ما به أو أن يكتب مشاعره، إن كان سنه أكبر، أو حتى يمكنك مساعدته على التحدث إلى شخص آخر يثق بيه إن كان لا يرغب في التحدث معك.

قوة سرد القصص:
ينتج علاج تجربة صعبة عندما يعمل الفص الأيسر مع الأيمن لسرد قصص حياتنا. وعندما يتعلم الأطفال الاهتمام بقصصهم ومشاركتها، يمكنهم الاستجابة بطرق صحيحة  لكل ما يحدث لهم.
ما يحتاجه الأطفال في العادة، خاصة عند تجربة مشاعر قوية، هو أن يساعدهم شخص ما في استخدام الفص الأيسر لإدراك ما يحدث وفهمه ولوضع الأحداث في ترتيبها وتسمية تلك المشاعر الكبيرة والمخيفة للجانب الأيمن حتى يمكنهم التعامل معاها بشكل فعال. وهذا ما يفعله سرد القصص، فهو يساعدنا على فهم أنفسنا وعالمنا باستخدام فصي المخ معًا. حيث يحتاج سرد القصص إلى الفص الأيسر لوضع ترتيب الأحداث واستخدام الكلمات والمنطق. ويساهم الفص الأيمن بالأحاسيس الجسدية والمشاعر والذكريات الشخصية وبهذا يمكننا رؤية الصورة الكاملة وتوصيل تجربتنا.
وقد أظهرت الأبحاث أن تسمية ما نشعر به يهدئ نشاط  دورة المشاعر في الفص الأيمن.
ولهذا السبب، فمن المهم لكل الأطفال في جميع الأعمار، أن يحكوا قصصهم فهذا يساعدهم على فهم مشاعرهم والأحداث التي تحدث في حياتهم.
يتجنب الآباء في بعض الأحيان التكلم حول التجارب المؤلمة، حيث يعتقدون أن التكلم عنها يعزز ألم الأطفال أو يجعل الأمر اسوأ. ولكن في الواقع، سرد القصص هو ما يريده الأطفال تماما في الغالب، حتى يفهموا ويدركوا ما حدث.
يكون حافز العقل لمعرفة وفهم كيفية حدوث الأشياء قوي جدًا، ولذلك يستمر العقل في محاولة فهم ما حدث حتى ينجح في ذلك، حتى ان لم يصل إلى النتيجة الصحيحة، ولذلك دورنا كآباء أن نساعد تلك العملية بسرد القصص.
مثال:
قام أحمد بتوصيل ابنته سارة ذات الأربع أعوام إلى المدرسة، التي تحبها كثيرًا وتفرح عندما تذهب إليها، ولكن في أحد الأيام مرضت سارة في المدرسة واتصلت معلمتها بأحمد ليأخذها إلى البيت، وفي اليوم التالي بدأت سارة تبكي عند الاستعداد للذهاب إلى المدرسة واستمر هذا الحال الأيام التالية، تبكي سارة عند الاستعداد للذهاب وتبكي عندما تصل إلى المدرسة، وبالرغم من أن أحمد شعر بالغضب من الموقف ولكنه رفض أن يتجاهل أو ينكر مشاعر ابنته. وبدأ يتذكر ما تعلمه وأن عقل ابنته يربط العديد من الأحداث معًا:الذهاب إلى المدرسة والمرض وترك أباها والشعور بالخوف. ولذلك بدأ عقل سارة يخبرها وقت الاستعداد والذهاب إلى المدرسة: "فكرة سيئة: مدرسة =الشعور بالمرض =ذهاب أبي =الخوف". ولهذا وصلت سارة لنتيجة أنها لا ترغب في الذهاب إلى المدرسة.
وعندما أدرك أحمد ذلك بحكم معرفته بفصي المخ وكيفية عملهم، تذكر أن الأطفال الصغار مثل سارة يغلب لديهم الفص الأيمن ولم يجيدوا بعد القدرة على استخدام المنطق والكلمات في التعبير عن المشاعر. شعرت سارة بمشاعر قوية ولكنها لم تستطع فهمهما وتوصيلها بوضوح. وكنتيجة لذلك، غلبت تلك المشاعر. وتذكر أحمد أيضًا أن الذاكرة الذاتية تتخزن في الفص الأيمن وفهم أن تفاصيل مرضها قد ارتبطت في ذاكرتها وجعلت الفص الأيمن يسيطر.
ولذلك استنتج أحمد أن عليه أنه يحتاج إلى مساعدة سارة في فهم تلك المشاعر باستخدام الفص الأيسر – وذلك باستدعاء المنطق ووضع الأحداث في ترتيبها الصحيح وتسمية مشاعرها بكلمات.
أحمد: اعلم أنك تمرين بوقت صعب بالذهاب إلى المدرسة بعد مرضك.هيا نتذكر اليوم الذي مرضت فيه في المدرسة، في الصباح بدأنا في الاستعداد للذهاب إلى المدرسة، أليس كذلك؟ هل تتذكري أنك رغبتي في ارتداء الحذاء الأحمر؟ وتناولنا الفطائر مع التوت ثم قمتي بغسل أسنانك؟ ثم ذهبنا إلى المدرسة واحتضنتك وودعتك؟ وماذا حدث بعد أن تركتك؟
سارة:مرضت
أحمد: نعم واعلم أن هذا لا يبدو جيدًا ولكن معلمتك قامت برعايتك وعلمت أنك تحتاجين إليّ واتصلت بيه وجئت إليكي فورًا. هل تشعرين أنك محظوظة بأن لديك معلمة قامت برعايتك حتى جاء والدك؟ وماذا حدث بعد ذلك؟ اعتنيت بك وشعرتي بتحسن.
وأكد أحمد على أنه جاء فورًا وأن كل شئ على ما يرام وأكد على سارة أنه سوف يحضر في أي وقت تحتاجه.
ما قام أحمد بفعله هو مساعدة طفلته في فهم ما تعانيه من مشاعر ثم بدأ في مساعدتها في عمل وصلات جديدة داخل عقلها بأن المدرسة آمنة ومرحة وذكرها بالعديد من الأشياء التي تحبها بالمدرسة، ثم قاموا بعمل كتاب مصور عن القصة ووضعوا به صور لأماكنها المفضلة في مدرستها.  وبعد ذلك بفترة ليست طويلة، بدأت سارة  في حب المدرسة مرة أخرى. وقد تعلمت أنها تستطيع التغلب على الخوف بمساعدة من يحبونها.
ويستجيب الأطفال الصغار، 10 أو 12 شهر، لسرد القصص.  عندما يسقط طفل صغير ويجرح ركبته، يشعر الفص الأيمن بالألم، ويقلق الطفل من أن هذا الألم لن يذهب أبدًا. ولكن عندما تبدأ الأم في سرد ما حدث وتستخدم الكلمات والترتيب في التعبير عن التجربة، فهي تساعد طفلها على ادماج وتطوير الفص الأيسر، حيث يساعد شرح ما حدث (وقع الطفل) في فهم الطفل لماذا جرح.

ولهذا يساعدنا سرد القصص في المضي قدمًا والتغلب على اللحظات التي نشعر بها بعدم التحكم. فعندما نعبر بالكلمات عن تجاربتنا المخيفة أو المؤلمة، تبدأ أن تقل تلك المشاعر.
عندما نساعد أطفالنا على تسمية ألمهم وخوفهم، فنحن نساعدهم على ترويضه ومعالجته. 

هناك تعليق واحد:

  1. ازاى نحكي قصص عند 10.12 شهر،!ازا كانوا يدوب يفهموا هات ده وسيب ده . يعنى ممكن نقرالهم اه وهما بيخزنوا بس نتعامل بالقصص بعد وقعه أو تعويره؟! ازاى

    ردحذف